الأذكياء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الأذكياء

طريقك للتفوق و النجاح
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كليلة ودمنة 13

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
malek
Admin
malek


المساهمات : 106
تاريخ التسجيل : 06/04/2008

كليلة ودمنة    13 Empty
مُساهمةموضوع: كليلة ودمنة 13   كليلة ودمنة    13 Icon_minitimeالإثنين أبريل 28, 2008 5:04 pm



تحريكه فمضى إلى الجبل وقال له القول المذكور فأجابه الجبل وقال له: أنا أدلك على من هو أقوى مني: الجرذ الذي لا أستطيع الامتناع منه إذا ثقبني واتخذني مسكناً. فانطلق الناسك إلى الجرذ فقال له: هل أنت متزوج هذه الجارية? فقال وكيف أتزوجها وجحري ضيق? إنما يتزوج الجرذ الفأرة فدعا الناسك ربه أن يحولها فأرة كما كانت وذلك برضى الجارية، فأعادها الله إلى عنصرها الأول فانطلقت مع الجرذ فهذا مثلك أيها المخادع فلم يلتفت ملك البوم إلى ذلك القول، ورفق بالغراب ولم يزدد له إلا إكراماً حتى إذا طاب عيشه ونبت ريشه واطلع على ما أراد أن يطلع عليه راغ روغة. فأتى أصحابه بما رأى وسمع فقال للملك: إني قد فرغت مما كنت أريد ولم يبقى إلا أن تسمع وتطيع، فقال له: أنا والجند تحت أمرك، فاحتكم كيف شئت.
قال الغراب: إن البوم بمكان كذا في جبل كثير الحطب وفي ذلك الموضع قطيع من الغنم مع رجل راع، ونحن مصيبون هناك ناراً، ونلقيها في أنقاب البوم ونقذف عليها من يابس الحطب ونتراوح عليها ضرباً بأجنحتنا حتى تضرم النار في الحطب: فمن خرج منهن احترق ومن لم يخرج مات بالدخان موضعه ففعل الغربان ذلك: فأهلكنّ البوم قاطبةً ورجعن إلى منازلهن سالمات آمنات.
ثم إن ملك الغربان قال لذلك الغراب: كيف صبرت على صحبة البوم ولا صبر للأخيار على صحبة الأشرار? فقال الغراب: إنما ما قلته أيها الملك لكذلك لكن العاقل إذا أتاه الأمر الفظيع العظيم الذي يخاف من عدم تحمله الجائحة على نفسه وقومه لم يجزع من شدة الصبر عليه، لما يرجو من أن يعقبه صبره حسن العاقبة زكثير الخير فلم يجد لذلك ألماً، ولم تكره نفسه الخضوع لمن هو دونه حتى يبلغ حاجته فيغتبط بخاتمة أمره وعاقبة صبره. فقال الملك: أخبرني عن عقول البوم: فقال الغراب: لم أجد فيهن عاقلاً إلا الذي كان يحثهن على قتلي، وكان حرضهن على ذلك مراراً فكن أضعف شيء رأياً! فلم ينظرن في رأيه ويذكرن أني قد كنت ذا منزلة في الغربان، وأني أعد من ذوي الرأي ولم يتخوفن مكري وحيلتي ولا قبلنّ من الناصح الشفيق ولا أخفين دوني أسرارهن وقد قال العلماء: ينبغي للملك أن يحصن أموره من أهل النميمة ولا يطلع أحداً منهم على مواضع سره فقال الملك: ما أهلك البوم في نفسي إلا الغي، وضعف رأي الملك وموافقته وزراء السوء فقال الغراب: صدقت أيها الملك، إنه قلما ظفر أحد بغنىً ولم يطع، وقلّ من أكثر من الطعام إلا مرض. وقلّ من وثق بوزراء السوء وسلم من أن يقع في المهالك وكان يقال: لا يطمعنّ ذو الكبر في حسن الثناء، ولا الخبُّ في كثرة الصديق، ولا السّيّ الأدب في الشرف، ولا الشحيح في البرّ، ولا الحريص في قلة الذنوب ولا الملك المحتال، المتهاون بالأمور، الضعيف الوزراء في ثبات ملكه، وصلاح رعيّته قال الملك: لقد احتملت مشقّة شديدة في تصنعك للبوم، وتضرعك لهنّ قال الغراب: إنه من احتمل مشقة يرجو نفعها، ونحى عن نفسه الأنفة والحمية، ووطنها على الصبر حمد غب رأيه، كما صبر الأسود على حمل ملك الضفادع على ظهره، وشبع بذلك وعاش قال الملك: وكيف كان ذلك? قال الغراب: زعموا أن أسود من الحيات كبر، وضعف بصره وذهبت قوته: فلم يستطع صيداً ولم يقدر على طعام وأنه انساب يتلمس شيئاً يعيش به، حتى انتهى إلى عين كثيرة الضفادع، قد كان يأتيها قبل ذلك، فيصيب من ضفاضعها رزقه فرمى نفسه قريباً منهنّ مظهراً للكآبة والحزن فقال له ضفدع: ما لي أراك أيها الأسود كئيباً حزيناً? قال: ومن أحرى بطول الحزن مني! وإنما كان أكثر معيشتي مما كنت أصيب من الضفادع فابتليت ببلاء وحرمت على الضفادع من أجله، حتى إني إذا التقيت ببعضها لا أقدر على إمساكه. فانطلق الضفدع إلى ملك الضفادع، فبشره بما سمع من الأسود فقال له: كيف كان أمرك? قال سعيت منذ أيام في طلب ضفدع وذلك عند المساء فاضطررته إلى بيت ناسك، ودخلت في أثره في ظلمة وفي البيت ابن الناسك، فأصبت إصبعه، فظننت أنها الضفدع، فلدغته فمات فخرجت هارباً، فتبعني الناسك في أثري، ودعا عليّ ولعنني وقال: كما قتلت ابني البريء ظلماً وتعدياً، أدعو عليك أن تذل وتصير مركباً لملك الضفادع، فلا تستطيع أخذها، ولا أكل شيء منها، إلا ما يتصدق به عليك ملكها فأتيت إليك لتركبني مقراً بذلك راضياً به فرغب ملك الضفادع بركوب الأسود، وظن أن ذلك فخراً له وشرف ورفعة فركب و استطاب له ذلك.


فقال له الأسود: قد علمت أيها الملك أني محروم فاجعل لي رزقاً أعيش به فقال ملك الضفادع: لعمري لابد من رزق يقوم بك، إذا كنت مركبي فأمر له بضفدعين يؤخذان في كل يوم ويدفعان إليه فعاش بذلك، ولم يضره خضوعه للعدو الذليل، بل انتفع بذلك وصار له رزقاً ومعيشة وكذلك كان صبري على ما صبرت عليه، التماساً لهذا النفع العظيم الذي اجتمع لنا فيه الأمن الظفر، وهلاك العدو والراحة منه ووجدت صرعة اللين والرفق أسرع وأشد استئصالاً للعدو من صرعة المكابرة: فإن النار لا تزيد بحدتها وحرها إذا أصابت الشجرة على أن تحرق ما فوق الأرض منها والماء ببرده ولينه يستأصل ما تحت الأرض منها ويقال أربعة أشياء لا يستقل قليلها: النار والمرض والعدو والدين. قال الغراب: وكل ذلك من رأى الملك وأدبه وسعادة جدّه وإنه كان يقال: إذا طلب اثنان أمراً ظفر به منها أفضلهما مروءة فإن اعتدلا في المروءة فأشدهما عزماً. فإن استويا في العزم فأسعدهما جداً وكان يقال: من حارب الملك الحازم الأريب المتضرع الذي لا تبطره السراء ولا تدهشه الضراء كان هو داعي الحتف إلى نفسه، ولا سيما إذا كان مثلك أيها الملك العالم بفروض الأعمال، ومواضع الشدة واللين، والغضب والرضا والمعاجلة والأناة الناظر في أمر يومه وغده، وعواقب أعماله قال الملك للغراب: بل برأيك وعقلك ونصيحتك ويمن طالعك كان ذلك، فإن رأى الرجل الواحد، العاقل الحازم أبلغ في هلاك العدو من الجنود الكثيرة، من ذوي البأس والنجدة، والعدد والعدة. وإن من عجيب أمرك عندي طول لبثك بين ظهراني البوم تسمع الكلام الغليظ، ثم لم تسقط بينهن بكلمة! قال الغراب: لم أزل متمسكاً بأدبك أيها الملك: أصحب البعيد والقريب، بالرفق واللين، والمبالغة والمواتاة. قال الملك: أصبحت وقد وجدتك صاحب العمل، ووجدت غيرك من الوزراء أصحاب أقاويل: ليس لها عاقبة حميدة فقد منّ الله علينا بك منّة عظيمة لم نكن قبلها نجد لذة الطعام والشراب، ولا النوم ولا القرار وكان يقال: لا يجد المريض لذة الطعام والنوم حتى يبرأ، ولا الرجل الشره الذي قد أطعمه سلطانه في مال وعمل في يده، حتى ينجزه له، ولا الرجل الذي قد ألح عليه عدوه، وهو يخافه صباحاً ومساءً حتى يستريح منه قلبه ومن وضع الحمل الثقيل عن يديه أراح نفسه ومن أمن عدوه ثلج صدره.
قال الغراب: أسأل الله الذي أهلك عدوك أن يمتعك بسلطانك، وأن يجعل في ذلك صلاح رعيتك، ويشركهم في قرة العين بملكك! فإن الملك إذا لم يكن في ملكه قرة عيون رعيته، فمثله مثل زنمة العنز التي يمصها، وهو يحسبها حلمة الضرع، فلا يصادف فيها خيراً. قال الملك: أيها الوزير الصالح، كيف كانت سيرة البوم وملكها في حروبها، وفيما كانت فيه من أمورها? قال الغراب: كانت سيرته سيرة بطر، وأشر وخيلاء وعجز وفخر مع ما فيه من الصفات الذميمة وكل أصحابه ووزرائه شيبه به، إلا الوزير الذي كان يشير عليه بقتلي: فإنه كان حكيماً أريباً، فيلسوفاً حازماً عالماً، قلما يرى مثله في علو الهمة، وكمال العقل، وجودة الرأي قال الملك: وأي خصلة رأيت منه كانت أدل على عقله? قال خلتان: إحداهما رأيه في قتلي والأخرى أنه لم يكتم صاحبه نصيحته وإن استقلها ولم يكن كلامه كلام عنف وقسوة ولكنه كلام رفق ولين حتى إنه ربما أخبره ببعض عيوبه ولا يصرح بحقيقة الحال بل يضرب له الأمثال ويدثه بعيب غيره فيعرف عيبه فلا يجد ملكه إلى الغضب عليه سبيلاً وكان مما سمعته يقول لملكه: إنه لا ينبغي للملك أن يغفل عن أمره فإنه أمر جسيم لا يظفر به من الناس إلا قليل ولا يدرك إلا بالحزم فإن الملك عزيز فمن ظفر به فليحسن حفظه وتحصينه، فإنه قد قيل إنه في قلة بقاءه بمنزلة قلة بقاء الظل عن ورق النيلوفر وهو في خفة زواله، وسرعة إقباله وإدباره كالريح وفي قلة ثباته كاللبيب مع اللئام، وفي سرعة اضمحلاله كحباب الماء من وقع المطر. فهذا مثل أهل العداوة الذين لا ينبغي أن يغتر بهم، وإن هم أظهروا تودداً وتضرعاً.


باب القرد والغيلم

قال دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف: قد سمعت هذا المثل ، اضرب لي مثل الرجل الذي يطلب الحاجة فإذا ظفر بها أضعها قال الفيلسوف: إن طلب الحاجة أهون من الاحتفاظ بها ومن ظفر بحاجة ثم لم يحسن القيام بها أصابه ما أصاب الغيلم. قال الملك: وكيف ذلك? قال بيدبا: زعموا أن قرداً يقال له ماهر كان ملك القردة وكان قد كبر وهرم فوثب عليه قرد شاب من بيت المملكة فتغلب عليه، وأخذ مكانه فخرج هارباً على وجهه حتى انتهى إلى الساحل فوجد شجرة من شجر التين فارتقى إليها وجعلها مقامه فبينما هو ذات يوم يأكل من ذلك التين، إذا سقطت من يده تينة في الماء فسمع لها صوتاً وإيقاعاً فجعل يأكل ويرمي في الماء، فأطربه ذلك: فأكثر من طرح التين في الماء وثم غيلم كلما وقعت تينة أكلها. فما كثر ذلك ظن أن القرد إنما يفعل ذلك لأجله فرغب في مصادقته، وأنس إليه وكلمه، وألف كل واحد منهما صاحبه. وطالت غيبة الغيلم عن زوجته: فجزعت عليه وشكت ذلك إلى جارة لها وقالت: قد خفت أن يكون قد عرض له عارض سوء فاغتاله. فقالت لها: إن زوجك بالساحل قد ألف قرد وألفه القرد : فهو مؤاكله ومشاربه، وهو الذي قطعه عنك، ولا يقدر أن يقيم عندك حتى تحتالي لهلاك القرد. قالت وكيف أصنع? قالت لها جارتها: إذا وصل إليك فتمارضي، فإذا سألك عن حالك فقولي: إن الحكماء وصفوا لي قلب قرد.
ثم إن الغيلم انطلق بعد مدة إلى منزله فوجد زوجته سيئة الحال مهمومةً فقال لها الغيلم: مالي أراك هكذا، فأجبته جارتها، وقالت: إن زوجتك مريضة مسكنة. وقد وصف لها الأطباء قلب قرد، وليس لها دواء سواه قال الغيلم: هذا أمر عسير من أين لنا قلب قرد، ونحن في الماء? لكن سأحتال لصديقي ثم انطلق إلى ساحل البحر: فقال له القرد يا أخي، ما حبسك عني? قال الغيلم: ما حبسني إلا حيائي: فلم أعرف كيف أجازيك على إحسانك إلي? وأريد أن تتم إحسانك إلي بزيارتك أي في منزلي فإن ساكن في جزيرة طيبة الفاكهة. فركب ظهر الغيلم، فسبح به حتى إذا سبح به عرض له قبح ما أضمر في نفسه من الغدر، فنكس رأسه، فقال له القرد: مالي أراك مهتماً? قال الغيلم: إنما همي لأني ذكرت أن زوجتي شديدة المرض وذلك بمنعي من كثير مما أريد أن أبلغه من حرصك على كرامتك وملاطفتك. قال القرد: إن الذي أعرف من حرصك على كرامتي يكفيك مؤونة التكليف. قال الغيلم: أجل ومضى بالقرد ساعةً، ثم توقف به ثانية: فساء ظن القرد وقال في نفسه: ما احتباس الغيلم وإبطاؤه إلا لأمر ولست آمناً أن يكون قلبه قد تغير لي وحال عن مودتي، فأراد بي سوءاً: فإنه لا شيء أخف وأسرع تقلباً من القلب وقد يقال: ينبغي للعاقل ألا يغفل عن التماس ما نفس أهله وولده وإخوانه وصديقه عند كل أمر، وفي كل لحظة وكلمة وعند القيام والقعود، وعلى كل حال فإن ذلك كله يشهد على ما في القلوب وقد قالت العلماء إذا دخل قلب الصديق من صديقه ريبة فليأخذ بالحزم في الحفظ منه وليتفقد ذلك في لحظاته وحالاته فإن كان ما يظن حقاً ظفر بالسلامة، وإن كان باطلاً ظفر بالحزم، ولم يضره ذلك ثم قال للغيلم: ما الذي يحبسك? ومالي أراك مهتماً، كأنك تحدث نفسك مرة أخرى? قال: يهمني أنك تأتي منزلي فلا تجد أمري كما أحب: لأن زوجتي مريضة قال القرد: لا تهتم فإن الهم لا يغني عنك شيئاً ولكن التمس ما يصلح زوجتك من الأدوية والأغذية: فإنه يقال ليبذل ذو المال ماله في أربعة مواضع: في الصدقة وفي الحاجة وعلى البنين وعلى الأزواج. قال الغيلم: صدقت. وقد قال الأطباء إنه لا دواء لها إلا قلب قرد فقال القرد واأسفاه لقد أدركني الحرص والشر على كبر سني: حتى وقعت في شر ورطة ولقد صدق الذي قال: يعيش القانع الراضي مستريحاً مطمئناً وذو الحرص والشره يعيش ما عاش في تعب ونصب.


وأني قد احتجت الآن إلى عقلي في التماس المخرج مما وقعت فيه. ثم قال الغيلم: وما منعك أن تعلمني عند منزلي حتى كنت أحمل قلبي معي? فهذه سنة فينا معاشر القردة إذا خرج أحد لزيارة صديق خلّف قلبه عند أهله أوفي موضعه، للنظر إذا نظرنا إلى حرم المزور وليس قلوبنا معنا قال الغيلم: وأين قلبك الآن? قال: خلّفته في الشجرة فإن شئت فارجع بي إلى الشجرة حتى آتيك به ففرح الغيلم بذلك وقال: لقد وافقني صاحبي بدون أن أغدر به. ثم رجع بالقرد إلى مكانه فلما أبطأ على الغيلم، ناداه: يا خليلي احمل قلبك وانزل فقد حبستني فقال القرد: هيهات أتظن أنّي كالحمار الذي زعم ابن آوى أنه لم يكن له قلب ولا أذنان قال الغيلم: وكيف ذلك? قال القرد: زعموا أنه كان أسد في أجمةً، وكان معه ابن آوى يأكل من فواضل طعامه، فأصاب الأسد جرب، وضعف شديد فلم يستطيع الصيد فقال له ابن آوى: ما بالك يا سيد السباع قد تغيرت أحوالك? قال: هذا الجرب الذي قد أجهدني وليس له دواء إلا قلب حمار وأذناه قال ابن آوى: ما أيسر هذا وقد عرفت بمكان كذا حماراً مع قصار يحمل عليه ثيابه، وأنا آتيك به ثم دلف إلى الحمار فأتاه وسلم عليه فقال له: مالي أراك مهزولاً? قال ما يطعمني صاحبي شيئاً فقال له: وكيف ترضى المقام معه على هذا? قال: فما لي حيلة في الهرب منه، لست أتوجه إلى جهة إلا جهة أضربي إنسان فكدني وأجاعني قال ابن آوى: فأنا أدلك على مكان معزول عن الناس، لا يمر به إنسان، خصيب المرعى فيه قطيع من الحمر لم تر عين مثلها حسناً وسمناً قال الحمار: وما يحبسنا وسمناً وقال الحمار: وما يحبسنا عنها? فانطلق بنا إليها، فانطلق به ابن آوى نحو الأسد، وتقدم ابن آوى ودخل الغابة على الأسد، فأخبره بمكان الحمار فخرج إليه وأراد أن يثبت عليه، فلم يستطيع لضعفه، وتخلص الحمار منه فأفلت هلعاً على وجهه فلما رأى ابن آوى أن الأسد لم يقدر على الحمار، قال له: أعجزت يا سيد السباع إلى هذه الغاية? فقال له: إن جئتني به مرة أخرى، فلن ينجو مني أبداً فمضى ابن آوى إلى الحمار فقال له: ما الذي جرى عليك? إن أحد الحمر رآك غريباً، فخرج يتلقاك مرحباً بك، ولو ثبت له لآنسك، ومضى بك إلى أصحابه فلما سمع الحمار كلام ابن آوى، ولم يكن رأى أسداً قط، صدقه وأخذ طريقه إلى الأسد وأعلمه بمكانه وقال له: استعد له فقد خدعته لك: فلا يدركنَّك الضعف في هذه النوبة إن أفلت فلن يعود معي أبداً فجأش جأش الأسد لتحريض ابن آوى له، وخرج إلى موضع الحمار فلما بصر به عاجله بوبثة افترسه بها. ثم قال: قد ذكرت الأطباء أنه لايؤكل إلا بعد الغسل والطهور: فاحتفظ به حتى أعود فآكل قلبه وأذنيه، وأترك ما سوى ذلك قوتاً لك فلما ذهب الأسد ليغتسل، عمد ابن آوى إلى الحمار فأكل قلبه وأذنيه، رجاء أن يتطير الأسد منه، فلا يأكل منه شيئاً، فقال لابن آوى: أين قلب الحمار وآذناه? قال ابن آوى: ألم تعلم أنه لو كان له قلب يفقه به، وأذنان يسمع بهما، لم يرجع إليك بعد ما أفلت ونجا من الهلكة: وانَّما ضربت لك هذا المثل لتعلم أني لست كذلك الحمار الذي زعم ابن آوى أنه لم يكن له قلب وأذنان، ولكنك احتلت عليَّ وخدعتني فخدعتك بمثل خديعتك، واستدركت فارط أمري. وقد قيل: إن الذي يفسده الحلم لا يصلحه إلا العلم. قال الغيلم: صدقت، إلا أن الرجل الصالح يعترف بزلته، وإذا أذنب ذنباً لم يستحي أن يؤدَّب: لصدقه في قوله وفعله، وإن وقع في ورطة أمكنه التخلص منها بحيلته وعقله: كالرجل الذي يعثر على الأرض، ثم ينهض عليها معتمداً فهذا مثل الرجل الذي يطلب الحاجة فإذا ظفر بها أضاعها.

الناسك وابن عرس

قال دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف: قد سمعت هذا المثل. فاضرب لي مثل الرجل العجلان في أمره من غير روية ولا نظر في العواقب قال الفيلسوف: إنه من لم يكن في أمره متثبتاً لم يزل نادماً ويصير أمره إلى ما صار إليه الناسك من قتل ابن عرس وقد كان له ودوداً. قال الملك: وكيف كان ذلك? قال الفيلسوف: زعموا أن ناسكاً من النساك بأرض جرجان وكانت له امرأة جميلة، فمكثا زمناً لم يرزقا ولداً ثم حملت منه بعد الإياس فسرت المرأة وسر الناسك بذلك فحمد الله تعالى وسأله أن يكون الحمل ذكراً وقال لزوجته: أبشري فإني أرجو أن يكون غلاماً لنا فيه منافع، وقرة عين، أختار له أحسن الأسماء وأحضر له سائر الأدباء. فقالت المرأة: ما يحملك أيها الرجل على أن تتكلم بما لا تدري أيكون أم لا? ومن فعل ذلك أصابه ما أصاب الناسك الذي أراق على رأسه السمن والعسل. قال لها: وكيف ذلك? قالت: زعموا أن ناسكاً كان يجري عليه من بيت رجل تاجر، في كل يوم رزق من السمن والعسل وكان يأكل منه قوته وحاجته ويرفع الباقي ويجعله في جرة، فيعلقها في وتد في ناحية البيت حتى أمتلأت فبينما الناسك ذات يوم مستلق على ظهره والعكاز في يده والجرة معلقة على رأسه، تفكّر في غلاء السمن والعسل، فقال: سأبيع ما في هذه الجرة بدينار وأشتري به عشرة أعنز، فيحبلن ويلدن في كل خمسة أشهر بطناً، ولا تلبث قليلاً حتى تصير غنماً كثيرة إذا ولت أولادها، ثم حرر على هذا النحو بسنين فوجد ذلك أكثر من أربعمائة عنز، فقال: أنا أشتري بها مائة من البقر، وأشترى أرضاً وبذراً، وأستأجر أكرة وأزرع على الثيران، وأنتفع بألبان الإناث ونتاجها فلا يأتي على خمس سنين ألا وقد أصبت من الزرع مالاً كثيراً، فأبني بيتاً فاخراً وأشتري إماء وعبيد، وأتزوج امرأة جميلة ذات حسن، ثم تأتي بغلام سري نجيب، فأختار له أحسن الأسماء، فإذا ترعرع أدبته وأحسنت تأديبه وأشدد عليه في ذلك، فإن يقبل مني، وإلا ضربته بهذه العكازة وأشار إلى الجرة فكسرها، فسال ما كان فيها على وجهه وإنما ضربت لك هذا المثل لكي لا تعجل بذكر ما لا ينبغي ذكره، وما لا تدري أيصح أم لا يصح فاتعظ الناسك بما حكت زوجته. ثم إن المرأة ولدت غلاماً جميلاً ففرح به أبوه وبعد أيام حان لها أن تتطهر فقالت المرأة للناسك: اقعد عند ابنك حتى أذهب إلى الحمام فأغتسل وأعود ثم إنها انطلقت إلى الحمام، وخلفت زوجها والغلام فلم يلبث أن جاءه رسول الملك يستدعيه ولم يجد من يخلفه عندابنه غير ابن عرس داجن عنده كان قد رباه صغيراً فهو عنده عديل ولده فتركه الناسك عند الصبي وأغلق عليهما البيت وذهب مع الرسول. فخرج من بعض أحجار البيت حية سوداء فدنت من الغلام فضربها ابن عرس ثم وثب عليها فقتلها ثم قطعها وا متلأفمه من دمها ثم جاء الناسك وفتح الباب فالتقاه ابن
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://clever.mam9.com
 
كليلة ودمنة 13
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأذكياء :: طريقك للتفوق والنجاح :: قسم الأدب العربي-
انتقل الى: