الأذكياء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الأذكياء

طريقك للتفوق و النجاح
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كليلة ودمنة 12

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
malek
Admin
malek


المساهمات : 106
تاريخ التسجيل : 06/04/2008

كليلة ودمنة 12 Empty
مُساهمةموضوع: كليلة ودمنة 12   كليلة ودمنة 12 Icon_minitimeالإثنين أبريل 28, 2008 5:02 pm



ثنينا عدونا عنّا. ثم قال الملك للثالث: ما رأيك أنت? قال: ما أرى ما قالا رأياً. ولكن نبث العيون ونبعث الجواسيس ونرسل الطلائع بيننا وبين عدونا فنعلم أيريد صلحنا أم يريد حربنا أم يريد الفدية? فإن رأينا أمره أمر طامع في مال، لم نكره الصلح على خراجٍ نؤديه إليه كل سنة، ندفع به عن أنفسنا ونطمئن في أوطاننا: فغن من أراء الملوك إذا أشتدت شوكة عدوهم، فخافوه على أنفسهم وبلادهم، أن يجعلوا الأموال جنة البلاد والملك والرعية. قال الملك للرابع: فما رأيك في هذا الصلح? قال لا أراه رأياً بل أن نفارق أوطاننا ونصبر على الغربة وشدة المعيشة خيرٌ من أن نضيع أحسابنا ونخضع للعدو الذي نحن أشرف منه مع أن البوم لو عرضنا ذلك عليهن لما رضين منّا إلا بالشَّطط. ويقال في الأمثال: قارب عدوك بعض المقاربة: لتنال حاجتك.

ولا تقاربه كل المقاربة: فيتجرىء عليك ويضعف جندك وتذلَّ نفسك. ومثل ذلك مثل الخشبة المنصوبة في الشمس: إذا أملتها قليلاً زاد ظلها، وإذا جاوزت بها الحد في إمالتها نقص الظلُّ. وليس عدونا راضياً منّا بالدون في المقاربة، فالرأي لنا ولك المحاربة. قال الملك للخامس: ما تقول أنت? وماذا ترى: القتال أم الصلح أم الجلاء عن الوطن? قال: أما القتال فلا سبيل للمرء إلى قتال من لا يقوى عليه وقد يقال: إنه من لا يعرف نفسه وعدوه وقاتل من لا يقوى عليه، حمل نفسه على حتفها مع أن العاقل لا يستصغر عدواً: فإن من استصغر عدوه اغتر به ومن اغتر بعدوه لم يسلم منه. وأنا للبوم شديد الهيبة وإن أضربن عن قتالنا وقد كنت أهابها قبل ذلك، فإن الحازم لا يأمن عدوه على كل حال فإن كان بعيداً لم يأمن سطوته، وإن كان مكثباً لم يأمن من وثبته، وإن كان وحيداً لم يأمن من مكره. وأحزم الأقوام وأكسيهم من كره القتال لجل النفقة فيه: فإن ما دون القتال النفقة فيه من الأموال والقول والعمل، والقتال النفقة فيه من الأنفس والأبدان. فلا يكونن القتال للبوم من رأيك، أيها الملك: فإن من قاتل من لا يقوى عليه فقد غرر بنفسه. فإذا كان الملك محصناً للأسرار، متخيراً للوزراء، مهيباً في أعين الناس، بعيداً من أن يقدر عليه، كان خليقاً ألا يسلب صحيح ما أوتى من الخير. وأنت، أيها الملك، كذلك. وقد استشرتني في أمر جوابك منّي عنه، في بعضه علانية، وفي بعضه سرٌ وللأسرار منازل: منها ما يدخل فيه الرهط، ومنها ما يستعان فيه بالقوم، ومنها ما يدخل فيه الرجلان. ولست أرى لهذا السر على قدر منزلته أن يشارك فيه إلا أربع آذانٍ ولسانان. فنهض الملك من ساعته، وخلا به، فاستشاره، فكان أول ما سأله عنه الملك أنه قال: هل يعلم ابتداء عداوة ما بيننا وبين البوم? قال: نعم: كلمة تكلم بها غراب. قال الملك: وكيف كان ذلك? قال الغراب: زعموا أن جماعة من الكراكي لم يكن لها ملك، فأجمعت أمرها على أن يملكن عليهن ملك البوم فبينما هي في مجمعها إذ وقع لها غراب، فقالت: لو جاءنا هذا الغراب. لاستشرناه؛ فلم يلبثن دون أن جاءهن الغراب. فاستشرنه، فقال: لو أن الطير بادت من الأقاليم، وفقد الطاوس والبط والنعام والحمار من العالم لما اضطررتن إلى أن تملّكن عليكنّ البوم التي هي أقبح الطير منظراً، وأسوؤها خلقاً، وأقلها عقلاً، وأشدها غضباً وأبعدها من كل رحمة، مع عماها وما بها من العشا بالنهار، وأشد من ذلك وأقبح أمورها سفهها وسوء أخلاقها، إلا أن ترين أن تملكنها وتكن أنتن تدبرن الأمور دونها برأيكن وعقولكن، كما فعلت الأرنب التي زعمت أن القمر ملكها، ثم عملت برأيها، قال الطير: وكيف كان ذلك?

قال الغراب: زعموا أن أرضاً من أراضي الفيلة تتابعت عليها السنون، وأجدبت، وقل ماؤها، وغارت عيونها، وذوى نبتها، ويبس شجرها، فأصاب الفيلة عطش شديد: فشكون ذلك إلى ملكهن، فأرسل الملك رسوله ورواده في طلب الماء، في كل ناحية. فرجع إليه بعض الرسل، فأخبره إني قد وجدت بمكان كذا عيناً يقال لها عين القمر، كثيرة الماء. فتوجه ملك الفيلة بأصحابه إلى تلك العين ليشرب منها هو وفيلته. وكانت العين في أرض للأرانب، فوطئن الأرانب في أجحارهن، فأهلكن منهن كثيراً، فاجتمعت الأرانب إلى ملكها فقلن له: قد علمت ما أصابنا من الفيلة فقال: ليحضرن منكن كل ذي رأي رأيه. فتقدمت أرنبٌ من الأرانب يقال لها فيروز. وكان الملك يعرفها بحسن الرأي والأدب، فقالت: إن رأى الملك أن يبعثني إلى الفيلة ويرسل معي أميناً، ليرى ويسمع ما أقول، ويرفعه إلى الملك، فقال لها الملك: أنت أمينة، ونرضى بقولك، فانطلقي إلى الفيلة، وبلغي عني ما تريدين. واعلمي أن الرسول برأيه وعقله، ولينه وفضله، يخبر عن عقل المرسل. فعليك باللين والرفق والحلم والتأني: فإن الرسول هو الذي يلين الصدور إذا رفق، ويخشن الصدور إذا خرق. ثم إن الأرنب انطلقت في ليلة قمراء، حتى انتهت إلى الفيلة، وكرهت أن تدنو منهن: مخافة أن يطأنها بأرجلهن، فيقتلنها، وإن كنّ غير متعمدات. ثم أشرفت على الجبل ونادت ملك الفيلة وقالت له: إن القمر أرسلني إليك، والرسول غير ملوم فيما يبلغ، وإن أغلظ في القول. قال ملك الفيلة: فما الرسالة? قالت: يقول لك: إن من عرف فضل قوته على الضعفاء، فاغتر بذلك في شأن الأقوياء، قياساً لهم على الضعفاء، كانت قوته وبالاً عليه. وأنت قد عرفت فضل قوتك على الدواب، فغرّك ذلك، فعمدت إلى العين التي تسمى باسمي، فشربت منها، وكدّرتها. فأرسلني إليك: فأنذرك ألا تعود إلى مثل ذلك. وإنك إن فعلت أُغشِّ بصرك، وأتلف نفسك. وإن كنت في شكٍّ من رسالتي، فهلم إلى العين من ساعتك: فإني موافيك بها. فعجب ملك الفيلة من قول الأرنب، فانطلق إلى العين مع فيروز الرسول. فلما نظر إليها، رأى ضوء القمر فيها. فقالت له فيروز الرسول: خذ بخرطومك من الماء فاغسل به وجهك، واسجد للقمر. فأدخل الفيل خرطومه في الماء، فتحرك فخيل للفيل أن القمر ارتعد. فقال: ما شأن القمر ارتعد? أتراه غضب من إدخالي الخرطوم في الماء? قالت فيروز الأرنب: نعم. فسجد الفيل للقمر مرة أخرى، وتاب إليه مما صنع، وشرط ألا يعود إلى مثل ذلك هو ولا أحد من فيلته. قال الغراب: ومع ما ذكرت من أمر البوم إن فيها الخبَّ والمكر والخديعة، وشر الملوك الخادع، ومن ابتلى بسلان مخادع، وخدمه، أصاب ما أصاب الأرنب والفرد حين احتكما إلى السنور. قالت الكراكي: وكيف كان ذلك? قال الغراب: كان لي جاراً من االصفاردة في أصل شجرة قريبة من وكرى وكان يكثر مواصلتي ثم فقدته فلم أعلم أين غاب وطالت غيبته عني. فجاءت أرنب إلى مكان الصفرد فسكنته فكرهت أن أخاصم الأرنب فلبثت فيه زماناً. ثم إن الصفرد غاد بعد زمان فأتى منزله فوجد فيه الأرنب. فقال لها : هذا المكان لي ، فانتقلي عنه. قالت الأرنب: المسكن لي، وتحت يدي؛ وأنت مدّع له. فإن كان لك حقٌ فاستعد بإثباته عليّ. قال الصفرد: القاضي منا قريب: فهلمي بنا إليه. قالت الأرنب: ومن القاضي? قال الصفرد: إن بساحل البحر سنوراً متعبداً، يصوم النهار، ويقوم الليل كله؛ ولا يؤذي دابةٍ، ولا يهرق دماً، عيشه من الحشيش ومما يقذفه إليه البحر. فإن أحببت تحاكمنا إليه، ورضينا به. قالت الأرنب: المسكن لي، وتحت يدي، وأنت مدع له. فإن كان لك حق فاستعد بإثباته عليّ.

قال الصفرد: القاضي? منا قريب: إن بساحل البحر سنوراًمعبداً، يصوم النهار، ويقوم الليل كله، ولايؤذى دابة، ولا يهريق دماً، عيشه من الحشيش ومما يقذفه إليه البحر. فإن أحببت تحاكما إليه، ورضينا به. قالت الأرنب: ما أرضاني به إذا كان كما وصفت. فانطلقا إليه فتبعهما لأنظر إلى حكومة الصوام القوام ثم إنهما ذهبا إليه فلما بصر النور بالأرنب والصفرد مقبيلين نحوه، انتصب قائماً يصلي، وأظهر الخشوع والتنسك. فعجبا لما رأيا من حاله ودنوا منه هائبين له، وسلما عليه وسألاه أن يقضي بينهما. فأمر هما أن يقصا عليه القصة ففعلا. فقال لهما: قد بلغني الكبر وثقلت أذناي: فادنوا مني فاسمعانى ما تقولان. فدنوا منه، وأعادا عليه القصة وسألاه الحكم فقال قد فهمت ما قلتما، وأنا مبتدئكما بالنصيحة قبل الحكومة بينكما: فأنا آمركما بتقوى الله وألاتطلبا إلا الحق هو الذي يفلح، وأن قضى عليه وطالب الحق هو الذي يفلح وإن قضى عليه وطالب الباطل مخصوم وإن قضى له. وليس لصاحب الدنيا من دنياه شئ لا مال ولا صديق سوى العمل الصالح يقدمه فذو العقل حقيق أن يكون سعيه في طلب ما يبقى وعود نفعه عليه غداً، وأن يمقت بسعيه فيما سوى ذلك من أمور الدنيا: فإن منزلة المال عند العاقل بمنزلة المدر، ومنزلة الناس عنده فيما يحب أهم من الخير ويكره من الشر بمنزلة نفسه. ثم إن السّنّور لم يزل يقصّ عليهما من جنس هذا وأشباهه، حتى أنسا إليه، وأقبلا عليه، ودنوا منه، ثم وثب عليهما فقتلهما. قال الغراب: ثم إن البوم تجمع مع ما وصفت لكن من الشؤم سائر العيوب: فلا يكونن تمليك البوم من رأ يكن. فلما سمع الكراكى ذلك من كلام الغراب أضربن عن تمليك البوم. زكان هناك بوم حاضر قد سمع ما قالوا، فقال الغراب: لقد وترتني أعظم الترة، ولا أعلم أنه سلف مني إليك سوءٌ أوجب هذا. وبعد فاعلم أن الفأس يقطع به الشجر فيعود ينبت السيف يقطع اللحم ثم يعود فيندمل واللسان لا يندمل جرحه ولا تؤسى مقاطعه. والنصل من السهم يغيب في اللحم ثم ينزع فيخرج، وأشباه النصل من الكلام إذا وصلت إلى القلب لم تنزع ولم تستخرج. ولكل حريق مطفئٌ: فللنار الماء، وللسم الدواء وللحزن الصبر ونلر الحقد لا تخبو أبداً. وقد غرستم معاشر الغربان بيننا وبينكم شجر الحقد والعداوة والبغضاء.
فلما قضى البوم مقالته، ولىّ مغضباً، فأخبر ملك البوم بما جرى وبكل ما كان منقول الغراب، ثم إن الغراب ندم على ما فرط منه، وقال: والله لقد خرقت في قولي الذي جلبت به العداوة والبغضاء على نفسي وقومي! وليتني لم أخبر الكراكي بهذه الحال! ولا أعلمتها بهذا الأمر! ولعل أكثر الطير قد رأى أكثر مما رأيت، وعلم أضعاف ما علمت، فمنعها من الكلام بمثل ما اتقاء ما لم أتق، والنظر فيما لم أنظر فيه من حذار العواقب، لا سيما إذا كان الكلام أفظع كلام، يلقى منه سامعه وقائله المكروه مما يورث الحقد والضغينة، فلا ينبغي لأشباه هذا الكلام، أن تسمى كلاماً، ولكن سهاماً. والعاقل، وإن كان واثقاً بقوته وفضله، لا ينبغي أن يحمل ذلك على أن يجلب العداوة على نفسه اتكالاً على ما عنده من الرأي والقوة، كما أنه وإن كان عنده الترياق لا ينبغي له أن يشرب السم اتكالاً على ما عنده. وصاحب حسن العمل، وإن قصر به القول في مستقبل الأمر، كان فضله بيّناً واضحاً في العاقبة والاختار، وصاحب حسن القول، وإن أعجب الناس منه حسن صفته للأمور لم تحمد عاقبة أمره. وأنا صاحب القول الذي لا عاقبة له محمودة. أليس من سفهي اجترائي على التكلم في الأمر الجسيم لا أستشير فيه أحداً، ولم أعمل فيه رأياً? ومن لم يستشر النصاء الأولياء، وعمل برأيه من غير تكرار النظر والروية، لم يغتبط بمواقع رأيه. فما كان أغناني عما كسبت يومي هذا، وما وقعت فيه من الهم! وعاتب الغراب نفسه بهذا الكلام وأشباهه وذهب. فهذا ما سألتني عنه من ابتداء العداوة بيننا وبين البوم.
وأما القتال فقد علمت رأيي فيه، وكراهتي له، ولكن عندي من الرأي والحيلة غير القتال ما يكون فيه الفرج إن شاء الله تعالى: فإنه ربَّ قوم قد احتالوا بآرائهم حتى ظفروا بما أرادوا. ومن ذلك حديث الجماعة الذين ظفروا بالناسك، وأخذوا عريضه قال الملك: وكيف كان ذلك?


قال الغراب: زعموا ان ناسكاً اشتى عريضاً ضخماً ليجعله قرباناً، فانطلق به يقوده فبصر به قوم من المكرة، فأتمروا بينهم أن يأخذوه من الناسك. فعرض له أحدهم فقال له: أيها الناسك، ما هذا الكلب الذي معك? ثم عرض له الآخر فقال لصاحبه: ما هذا الناسك، لأن الناسك لا يقود كلباً. فلم يزالو مع الناسك على هذا ومثله حتى لم يشك أنَّ الذي يقوده كلبٌ، وأن الذي باعه إياه سحر عينه، فأطلقه من يده، فأخذه الجماعة المحتالون ومضوا به. وإنما ضربت لك هذا المثل لما أرجو أن نصيب من حاجتنا بالرفق والحيلة. وإني أريد من الملك أن ينقرني على رؤوس الأشهاد، وينتف ريشي وذنبي، ثم يطرحني في أصل هذه الشجرة، ويرتحل الملك هو وجنوده إلى مكان كذا. فأرجو أنّي أصبر وأطلع على أحوالهم، ومواضع تحصينهم وأبوابهم، فأخادعهم وآتي إليكم لنهجم عليهم، وننا منهم غرضنا إن شاء الله تعالى.
قال الملك: أتطيب نفسك لذلك? قال: نعم، وكيف لا تطيب نفسي لذلك وفيه أعظم الراحات للملك وجنوده? ففعل الملك بالغراب ما ذكر، ثم ارتحل عنه فجعل الغراب يئن ويهمس حتى رأته البوم وسمعته يئن، فأخبرن ملكهن بذلك، فقصد نحوه ليسأله عن الغربان فلما دنا منه أمر بوماً أن يسأله فقال له: من أنت? وأين الغربان? فقال: أما اسمي ففلان، وأما ما سألتني عنه فإني أحسبك ترى أن حالي حال من لا يعلم الأسرار فقيل لملك البوم: هذا وزير ملك الغربان وصاحب رأيه، فنسأله بأي ذنب صنع به ما صنع? فسئل الغراب عن أمره فقال: إن ملكنا استشار جماعتنا فيكنَّ: وكنت يومئذٍ بمحضرٍ من الأمر، فقال: أيها الغربان، ما ترون في ذلك? فقلت: أيها الملك لا طاقة لنا بقتال البوم: لأنهن أشد بطشاً، وأحد قلباً منَّا ولكن أرى أن نلتمس الصلح، ثم نبذل الفدية في ذلك، فإن قبلت البوم ذلك منّا، وإلا هربنا في البلاد وإذا كان القتال بيننا وبين البوم كان خيراً لهنّ وشراً لنا، فالصلح أفضل من الخصومة وأمرتهنَّ بالرجوع عن الحرب، وضربت لهن الأمثال في ذلك، وقلت لهن: إن العدوّ الشديد لا يرد بأسه وغضبه مثل الخضوع له: ألا ترين إلى الحشيش كيف يسلم من عاصف الريح للينه وميله معها حيث مالت فعصينني في ذلك وزعمن أنهن يردن القتال وأتهمنني في ما قلت، وقلنا إنك قد مالأت البوم علينا ورددنَ قولي ونصيحتي وعذبنني بهذا العذاب وتركني الملك وجنوده وأرتحل ولا علم لي بهن بعد ذلك: فلما سمع ملك البوم مقالة الغراب قال لبعض وزرائه: ما تقول في الغراب? وما ترى فيه? قال: ما أرى إلا المعاجلة له بالقتل: فإن هذا أفضل عُدَدِ الغربان، وفي قتله لنا راحة من مكره وفقده على الغربان شديد ويقال: من ظفر بالساعة التي فيها ينجح العمل ثم لا يعاجله بالذي ينبغي له فليس بحكيم ومن طلب الأمر الجسيم فأمكنه ذلك فأغفله فاته الأمر وهو خليق ألا تعود له الفرصة ثانية ومن وجد عدوه ضعيفاً ولم ينجز قتله ندم إذا استقوى ولم يقدر عليه قال الملك لوزير آخر: ما ترى أنت في هذا الغراب? قال: أرى ألا تقتله: فإن العدو الذليل الذي لا ناصر له أهلٌ لأن يستبقى ويرحم ويصفح عنه ولا سيما المستجير الخائف: فإنه أهلٌ لأن يؤمن.
قال ملك البوم لوزير آخر من وزائه: ما تقول في الغراب? قال: أرى أن تستبقيه وتحسن إليه: فإنه خليق أن ينصحك والعاقل يرى معادات بعض أعدائه بعضاً ظفراً حسناً ويرى أشتغال بعض أعدائه ببعض خلاصاً لنفسه منهم ونجاة كنجاة الناسك من اللص والشيطان حين اختلفا عليه قال الملك له: وكيف كان ذلك?


قال الوزير: زعموا أن ناسكاً أصاب من رجل بقرة حلوباً فانطلق بها يقودها إلى منزله، فعرض له لص أراد سرقتها واتبعه شيطان يريد اختطافه. فقال الشيطان للص: من أنت? قال أنا اللص، أريد أن أسرق البقرة من الناسك إذا نام. فمن أنت? قال: أنا الشيطان أريد أختطافه إذا نام وأذهب به فاتهيا على هذا إلى المنزل فدخل الناسك منزله ودخلا خلفه وأدخل البقرة فربطها في زاوية المنزل وتعشى ونام. فأقبل اللص والشيطان يأتمران فيه واختلفا على من يبدأ بشغله أولاً فقال الشيطان للص: إن أنت بدأت بأخذ البقرة فربما استيقظ وصاح، واجتمع الناس: فلا أقدر على أخذه فأنظرني ريثما آخذه، وشأنك وما تريد. فأشفق اللص إن بدأ الشيطان باختطافه فربما استيقظ فلا يقدر على أخذ البقرة، فقال: لا، بل انظرني أنت حتى آخذ البقرة وشأنك زما تريد فلم يزالا في المجادلة هكذا حتى نادى اللص: أيها الناسك انتبه: فهذا الشيطان يريد اختطافك، ونادى الشيطان: أيها الناسك انتبه: فهذا اللص يريد أن يسرق بقرتك فانتبه الناسك وجيرانه بأصواتهما، وهرب الخبيثان. قال الوزير الأول الذي أشار بقتل الغراب: أظن أن الغراب قد خدعكنَّ ووقع كلامه في نفس الغبي منكنّ موقعه، فتردن أن تضعنّ الرأي في غير موضعه فمهلاً مهلاً أيها الملك عن هذا الرأي. فلم يلتفت الملك إلى قوله وأمر الغراب أن يحمل إلى منازل البوم، ويكرم ويستوصى به خيراً.
ثم إن الغراب قال للملك يوماً وعنده جماعة من البوم وفيهن الوزير الذي أشار بقتله: أيها الملك قد علمت ما جرى عليّ من الغربان وأنه لا يستريح قلبي إلا بأخذي بثأري منهن، وإني قد نظرت في ذلك فإذا بي لا أقدر على ما رمت: لأني غراب وقد روى عن العلماء أنهم قالوا: من طابت نفسه بأن يحرقها فقد قرب لله أعظم القربان لا يدعو عند ذلك بدعوة إلا استجيب له فإن رأى الملك أن يأمرني فأحرق نفسي وأدعو ربي أن يحولني بوماً فأكون أشد عداوة وأقوى بأساً عل الغربان لعلي أنتقم منهن! قال الوزير الذي أشار بقتله: ما أشبهك في خير ما تظهر وشر ما تخفي إلا بالخمرة الطيبة الطعم والريح المنقع فيها السم أرأيت لو أحرقنا جسمك بالنار كان جوهرك وطباعك متغيرة! أليست أخلاقك تدور معك حيثما درت، وتصير بعد ذلك إلى أصلك وطويتك? كالفأرة التي خيرت في الأزواج بين الشمس والريح والسحاب والجبل فلم يقع اختيارها إلا على الجرذ وقيل له: وكيف كان ذلك?


قال: زعموا أنه كان ناسكاً مستجاب الدعوة فبينما هو ذات يوم جالساً على ساحل البحر إذ مرت به حدأة في رجلها درص فأرة فوقعت منها عند الناسك، وأدركته لها رحمة، فأخذها ولفها في ورقة، وذهب بها إلى منزله، ثم خاف أن تشق على أهله تربيتها فدعا ربه أن يحولها جارية: فتحولت جارية حسناء فانطلق بها إلى امرأته، فقال لها هذه ابنتي فاصنعي معها صنيعك بولدي. فلما كبرت قال لها الناسك: يا بنية أختاري من أحببت حتى أزوجك به. فقالت، أما إذا خيرتني فإني أختار زوجاً يكون أقوى الأشياء. فقال الناسك لعلك تريدين الشمس! ثم انطلق إلى الشمس فقال: أيها الخلق العظيم إن لي جارية وقد طلبت زوجاً يكون أقوى الأشياء، فهل أنت متزوجها? فقالت الشمس أنا أدلك على من هو أقوى مني: السحاب الذي يغطيني، ويرد حر شعاعي ويكسف أشعة أنواري. فذهب الناسك إلى السحاب فقال له ما قال للشمس، فقال السحاب: وأنا أدلك على من هو أقوى مني: فاذهب إلى الريح التي تقبل بي وتدبر وتذهب بي شرقاً وغرباً فجاء الناسك إلى الريح فقال لها كقوله للسحاب فقالت: وأنا أدلك على من هو أقوى مني وهو الجبل الذي لا أقدر على تحريكه فمضى إلى الجبل وقال له القول المذكور فأجابه الجبل وقال له: أنا أدلك على من هو أقوى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://clever.mam9.com
 
كليلة ودمنة 12
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأذكياء :: طريقك للتفوق والنجاح :: قسم الأدب العربي-
انتقل الى: