الأذكياء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الأذكياء

طريقك للتفوق و النجاح
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كليلة ودمنة 3

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
malek
Admin
malek


المساهمات : 106
تاريخ التسجيل : 06/04/2008

كليلة ودمنة 3 Empty
مُساهمةموضوع: كليلة ودمنة 3   كليلة ودمنة 3 Icon_minitimeالإثنين أبريل 28, 2008 4:47 pm



على توفيق بيدبا في إزالة دبشليم عما كان عليه من سوء السيرة، واتخذوا ذلك اليوم عيداً يعيدون فيه فهو إلى اليوم عيدٌ عندهم في بلاد الهند.

فلما فرغ منه بيدبا من مقالته، وقضى مناصحته، أوغر صدر الملك فأغلظ له في الجواب استصغاراً لأمره؛ وقال: لقد تكلمت بكلامٍ ما كنت أظن أحداً من أهل مملكتي يستقبلني بمثله، ولا يقدم على ما أقدمت عليه. فكيف أنت مع صغر شأنك، وضعف منتك وعجز قوتك? ولقد أكثرت إعجابي من إقدامك علي، وتسلطك بلسانك فيما جاوزت فيه حدك. وما أجد شيئاً في تأديب غيرك أبلغ من التنكيل بك. فذلك عبرةٌ وموعظةٌ لكن عساه أن يبلغ ويروم ما رمت أنت من الملوك إذا أوسعوا لهم في مجالسهم. ثم أمر به أن يقتل ويصلب. فلما مضوا به فيما أمر، فكر فيما أمر به فأحجم عنه، ثم أمر بحبسه وتقييده. فلما حبس أنفذ في طلب تلاميذه ومن كان يجتمع إليه فهربوا في البلاد واعتصموا بجزائر البحار؛ فمكث بيدبا في محبسه أياماً لا يسأل الملك عنه، ولا يلتفت إليه؛ ولا يجسر أحدٌ أن يذكره عنده؛ حتى إذا كان ليلةٌ من الليالي سهد الملك سهداً شديداً ؛ فطال سهده، ومد إلى الفلك بصره؛ وتفكر في تفلك الفلك وحركات الكواكب، فأغرق الفكر فيه؛ فسلك به إلى استنباط شيءٍ عرض له من أمور الفلك، والمسألة عنه. فذكر عند ذلك بيدبا، وتفكر فيما كلمه به؛ فأرعوى لذلك. وقال في نفسه: لقد أسأت فيما صنعت بهذا الفيلسوف، وضيعت واجب حقه؛ وحملني على ذلك سرعة الغضب. وقد قالت العلماء: أربعةٌ لا ينبغي أن تكون في الملوك: الغضب فإنه أجد الأشياء مقتاً؛ والبخل فإن صاحبه ليس بمعذورٍ مع ذات يده؛ والكذب فإنه ليس لأحدٍ أن يجاوره؛ والعنف في المحاورة فإن السفه ليس من شأنها. وإني أتي إلى رجل نصح لي، ولم يكن مبلغاً؛ فعاملته بضد ما يستحق، وكافأته بخلاف ما يستوجب. وما كان هذا جزاءه مني؛ بل كان الواجب أن أسمع كلامه، وأنقاد لما يشير به. ثم أنفذ في ساعته من يأتيه به. فلما مثل بين يديه قال له: يا بيدبا ألست الذي قصدت إلى تقصير همتي، وعجزت رأيي في سيرتي بما تكلمت به آنفاً? قال له بيدبا: أيها الملك الناصح الشفيق، والصادق الرفيق، إنما نبأتك بما فيه صلاحٌ لك ولرعيتك، ودوام ملكك لك، قال له الملك: يا بيدبا أعد علي كلامك كله، ولا تدع منه حرفاً إلا جئت به. فجعل بيدبا ينثر كلامه، والملك مصغٍ إليه. وجعل دبشليم كلما سمع منه شيئاً ينكت على الأرض بشيءٍ كان في يده. ثم رفع طرفه إلى بيدبا، وأمره بالجلوس. وقال له: يا بيدبا، إني قد استعذبت كلامك وحسن موقعه من قلبي. وأنا ناظر في الذي أشرت به، وعامل بما أمرت. ثم أمر بقيوده فحلت. وألقى عليه من لباسه، وتلقاه بالقبول. فقال بيدبا: يا أيها الملك، إن في دون ما كلمتك به نهيةً لمثلك. قال: صدقت أيها الحكيم الفاضل. وقد وليتك من مجلسي هذا إلى جميع أقاصي مملكتي. فقال له: أيها الملك أعفني من هذا الأمر: فإني غير مضطلعٍ بتقويمه إلا بك. فأعفاه من ذلك. فلما انصرف، علم أن الذي فعله ليس برأي، فبث فرده. وقال: إني فكرت في إعفائك مما عرضته عليك فوجدته لا يقوم إلا بك، ولا ينهض به غيرك، ولا يضطلع به سواك. فلا تخالفني فيه. فأجابه بيدبا إلى ذلك.
وكان عادة ملوك ذلك الزمان إذا استوزروا وزيراً أن يعقدوا على رأسه تاجاً، ويركب في أهل المملكة، ويطاف به في المدينة. فأمر الملك أن يفعل ببيدبا ذلك. فوضع التاج على رأسه، وركب المدينة ورجع فجلس بمجلس العدل والإنصاف: يأخذ للدني من الشريف، ويساوي بين القوي والضعيف؛ ورد المظالم، ووضع سنن العدل، وأكثر من العطاء والبذل. واتصل الخبر بتلاميذه فجاءوه من كل مكان، فرحين بما جدد الله له من جديد رأي الملك في بيدبا؛ وشكروا الله تعالى على توفيق بيدبا في إزالة دبشليم عما كان عليه من سوء السيرة، واتخذوا ذلك اليوم عيداً يعيدون فيه فهو إلى اليوم عيدٌ عندهم في بلاد الهند.


ثم أن بيدبا لما أخلى فكره من اشتغاله بدبشليم، تفرغ لوضع كتب السياسة ونشط لها، فعمل كتباً كثيرةً، فيها دقائق الحيل. ومضى الملك على ما رسم له بيدبا من حسن السيرة والعدل في الرعية. فرغبت إليه الملوك الذين كانوا في نواحيه، وانقادت له الأمور على استوائها. وفرحت به رعيته وأهل مملكته. ثم أن بيدبا جمع تلاميذه فأحسن صلتهم، ووعدهم وعداً جميلاً. وقال لهم: لست أشك أنه وقع في نفوسكم وقت دخولي على الملك أن قلتم: إن بيدبا قد ضاعت حكمته، وبطلت فكرته: إذ عزم على الدخول على هذا الجبار الطاغي. فقد علمتم نتيجة رأيي وصحة فكري. وإني لم آته جهلاً به: لأني كنت أسمع من الحكماء قبلي تقول: إن الملوك لها سورةٌ كسورة الشراب: فالملوك لا تفيق من السورة إلا بمواعظ العلماء وأدب الحكماء. والواجب على الملوك أن يتعظوا بمواعظ العلماء. والواجب على العلماء تقويم الملوك بألسنتها، وتأديبها بحكمتها، وإظهار الحجة البينة اللازمة لهم: ليرتدعوا عما هم عليه من الاعوجاج والخروج عن العدل. فوجدت ما قالت العلماء فرضاً واجباً على الحكماء لملوكهم ليوقظوهم من رقدتهم؛ كالطبيب الذي يجب عليه في صناعته حفظ الأجساد على صحتها أو ردها إلى الصحة. فكرهت أن يموت أو أموت وما يبقى على الأرض غلا من يقول: إنه كان بيدبا الفيلسوف في زمان دبشليم الطاغي فلم يرده عما كان عليه. فإن قال قائل: إنه لم يمكنه كلامه خوفاً على نفسه، قالوا: كان الهرب منه ومن جواره أولى به؛ والانزعاج عن الوطن شديدٌ؛ فرأيت أن أجود بحياتي؛ فأكون قد أتيت فيما بيني وبين الحكماء بعدي عذراً. فحملتها على التغرير أو الظفر بما أريده. وكان من ذلك ما أنتم معاينوه: فإنه يقال في بعض الأمثال: إن لم يبلغ أحد مرتبة إلا بإحدى ثلاثٍ: إما بمشقةٍ تناله في نفسه، وإما بوضعيةٍ في ماله أو وكسٍ في دينه . ومن لم يركب الأهوال لم ينل الرغائب. وإن الملك دبشليم قد بسط لساني في أن أضع كتاباً فيه ضروب الحكمة. فليضع كل واحد منكم شيئاً في أي فن شاء؛ وليعرضه علي لأنظر مقدار عقله، وأين بلغ من الحكمة فهمه. قالوا: أيها الحكيم الفاضل، واللبيب العاقل، والذي وهب لك ما منحك من الحكمة والعقل والأدب والفضيلة، ما خطر هذا بقلوبنا ساعةً قط. وأنت رئيسنا وفاضلنا، وبك شرفنا، وعلى يدك انتعاشنا. ولكن سنجهد أنفسنا فيما أمرت. ومكث الملك على ذلك من حسن السيرة زماناً يتولى ذلك له بيدبا ويقوم به.

ثم إن الملك دبشليم لما استقر له الملك، وسقط عنه النظر في أمور الأعداء بما قد كفاه ذلك بيدبا، صرف همته إلى النظر في الكتب التي وضعتها فلاسفة الهند لآبائه وأجداده؛ فوقع في نفسه أن يكون له أيضاً كتابٌ مشروحٌ ينسب إليه وتذكر فيه أيامه كما ذكر آباؤه وأجداده من قبله. فلما عزم على ذلك، علم أنه لا يقوم ذلك إلا ببيدبا: فدعاه وخلا به؛ وقال له: يا بيدبا، إنك حكيم الهند وفيلسوفها. وإني فكرت ونظرت في خزائن الحكمة التي كانت للملوك قبلي؛ فلم أر فيهم أحداً إلا وضع كتاباً يذكر فيه أيامه وسيرته، وينبئ عن أدبه وأهل مملكته؛ فمنه ما وضعته الملوك لأنفسها، وذلك لفضل حكمةٍ فيها؛ ومنها ما وضعته حكماؤها. وأخاف أن يلحقني ما لحق أولئك مما لا حيلة لي فيه، ولا يوجد في خزائني كتابٌ أذكر به من بعدي، وأنسب إليه كما ذكر من كان قبلي بكتبهم. وقد أحببت أن تضع لي كتاباً بليغاً تستفرغ فيه عقلك يكون ظاهره سياسة العامة وتأديبها، وباطنه أخلاق الملوك وسياستها للرعية على طاعة الملك وخدمته؛ فيسقط بذلك عني وعنهم كثيرٌ مما نحتاج إليه في معاناة الملك. وأريد أن يبقى لي هذا الكتاب من بعدي ذكراً على غابر الدهور. فلما سمع بيدبا كلامه خر له ساجداً، ورفع رأسه وقال: أيها الملك السعيد جده، علا نجمك، وغاب نحسك، ودامت أيامك؛ إن الذي قد طبع عليه الملك من جودة القريحة ووفور العقل حركه لعالي الأمور؛ وسمت به نفسه وهمته إلى أشرف المراتب منزلةً، وأبعدها غايةً؛ وأدام الله سعادة الملك وأعانه على ما عزم من ذلك، وأعانني على بلوغ مراده. فليأمر الملك بما شاء من ذلك: فإن صائرٌ إلى غرضه، مجتهداٌ فيه برأيي. قال له الملك: يا بيدبا لم تزل موصوفاً بحسن الرأي وطاعة الملوك في أمورهم. وقد اختبرت منك ذلك، واخترت أن تضع هذا الكتاب، وتعمل فيه فكرك، وتجهد فيه نفسك، بغاية ما تجد إليه السبيل. وليكن مشتملاً على الجد والهزل واللهو والحكمة والفلسفة. فكفر له بيدبا وسجد، وقال: قد أجبت الملك أدام الله أيامه إلى ما أمرني به، وجعلت بيني وبينه أجلاً. قال: وكم هو الأجل? قال: سنةٌ. قال: قد أجلتك؛ وأمر له بجائزةٍ سنيةٍ تعينه على عمل الكتاب فبقى بيدبا مفكراً في الأخذ فيه، وفي أي صورةٍ يبتدي بها فيه وفي وضعه.
ثم إن بيدبا جمع تلاميذه وقال لهم: إن الملك قد ندبني لأمر فيه فخري وفخركم وفخر بلادكم، وقد جمعتكم لهذا الأمر. ثم وصف لهم ما سأل الملك من أمر الكتاب، والغرض الذي قصد فيه، فلم يقع لهم الفكر فيه فلما لم يجد عندهم ما يريده فكر بفضل حكمته، وعلم أن ذلك أمرٌ إنما يتم باستفراغ العقل وإعمال الفكر؛ وقال: أرى السفينة لا تجري في البحر إلا بالملاحين: لأنهم يعدلونها؛ وإنما تسلك اللجة بمدبرها الذي تفرد بإمرتها ؛ ومتى شحنت بالركاب الكثيرين وكثر ملاحوها لم يؤمن عليه من الغرق. ولم يزل يفكر فيما يعمله في باب الكتاب حتى وضعه على الانفراد بنفسه، مع رجلٍ من تلاميذه كان يثق به؛ فخلا به منفرداً معه، بعد أن أعد الورق الذي كانت تكتب فيه الهند شيئاً، ومن القوت ما يقوم به وبتلميذه تلك المدة. وجلسا في مقصورةٍ، وردا عليهما الباب ثم بدأ في نظم الكتاب وتصنيفه؛ ولم يزل هو يملي وتلميذه يكتب، ويرجع هو فيه؛ حتى استقر الكتاب على غاية الإتقان والإحكام. ورتب فيه أربعة عشر باباً؛ كل بابٍ منها قائم بنفسه. وفي كل باب مسألةٌ والجواب عنها؛ ليكون لمن نظر فيه حظٌ من الهداية. وضمن تلك الأبواب كتاباً واحداً؛ وسماه كتاب كليلة ودمنة. ثم جعل كلامه على ألسن البهائم والسباع والطير: ليكون ظاهره لهواً للخواص والعوام، وباطنه رياضةً لعقول الخاصة. وضمنه أيضاً ما يحتاج إليه الإنسان من سياسة نفسه وأهله وخاصته، وجميع ما يحتاج إليه من أمير دينه ودنياه، وأخرته وأولاه؛ ويحضه على حسن طاعته للملوك ويجنبه ما تكون مجانبته خيراً له. ثم جعله باطناً وظاهراً كرسم سائر الكتب التي برسم الحكمة: فصار الحيوان لهواً، وما ينطق به حكمةً وأدباً. فلما ابتدأ بيدبا بذلك جعل أول الكتاب وصف الصديق، وكيف يكون الصديقان، وكيف تقطع المودة الثابتة بينهما بحيلة ذي النميمة. وأمر تلميذه أن يكتب على لسان بيدبا مثل ما كان الملك شرطه في أن جعله لهواً وحكمةً. فذكر بيدبا أن الحكمة متى دخلها كلام النقلة أفسدها وجهلت حكمتها. فلم يزل هو وتلميذه يعملان الفكر فيما سأله الملك، حتى فتق لهما العقل أن يكون كلامهما على لسان بهيمتين. فوقع لهما موضع اللهو والهزل بكلام البهائم. وكانت الحكمة ما نطقا به. فأصغت الحكماء إلى حكمه وتركوا البهائم واللهو، وعلموا أنها السبب في الذي وضع لهم. ومالت إليه الجهال عجباً من محاورة بهيمتين، ولم يشكوا في ذلك؛ واتخذوه لهواً، وتركوا معنى الكلام أن يفهموه، ولم يعلموا الغرض الذي وضع له؛ لأن الفيلسوف إنما كان غرضه في الباب الأول أن يخبر عن تواصل الإخوان كيف تتأكد المودة بينهم على التحفظ من أهل السعاية والتحرز ممن يوقع العداوة بين المتحابين: ليجر بذلك نفعاً إلى نفسه. فلم يزل بيدبا وتلميذه في المقصورة، حتى استتما عمل الكتاب في مدة سنةٍ. فلما تم الحول أنفذ إليه الملك أن قد جاء الوعد فماذا صنعت? فأنفذ إليه بيدبا: إني على ما وعدت الملك. فليأمرني بحمله، بعد أن يجمع أهل المملكة لتكون قراءتي هذا الكتاب بحضرتهم، فلما رجع الرسول إلى الملك سر بذلك، ووعده يوماً يجمع فيه أهل المملكة. ثم نادى في أقاصي بلاد الهند ليحضروا قراءة الكتاب. فلما كان ذلك اليوم، أمر الملك أن ينصب لبيدبا سريرٌ مثل سريره، كراسي لأبناء الملوك والعلماء. وأنفذ فأحضره. فلما جاءه الرسول قام فلبس الثياب التي كان يلبسا إذا دخل على الملوك وهي المسوح السود، وحمل الكتاب تلميذه. فلما دخل على الملك وثب الخلائق بأجمعهم، وقام الملك شاكراً. فلما قرب من الملك كفر له وسجد، ولم يرفع رأسه. فقال له الملك: يا بيدبا ارفع رأسك، فإن هذا يوم هناءةٍ وفرحٍ وسرورٍ، وأمره أن يجلس. فحين جلس لقراءة الكتاب، سأله عن معنى كل باب من أبوابه، وإلى أي شيءٍ قصد فيه. فأخبره بغرضه فيه، وفي كل باب. فازداد الملك منه تعجباً وسروراً. فقال له: يا بيدبا ما عدوت الذي في نفسي؛ وهذا الذي كنت أطلب؛ فالطلب ما شئت وتحكم. فدعا له بيدبا بالسعادة وطول الجد. وقال: أيها الملك أما المال فلا حاجة لي فيه، وأما الكسوة فلا أختار على لباسي ذا شيئاً؛ ولست أخلي الملك من حاجةٍ. قال الملك: يا بيدبا ما حاجتك? فكل حاجةٍ لك قبلنا مقضيةٌ. قال: يأمر الملك أن يدون كتابي هذا كما دون آباؤه وأجداده كتبهم، ويأمر بالمحافظة عليه: فإن أخاف أن يخرج من بلاد الهند، فيتناوله أهل فارس إذا علموا به؛ فالملك يأمر ألا يخرج من بيت الحكمة. ثم دعا الملك بتلاميذه وأحسن لهم الجوائز. ثم إنه لما ملك كسرى أنوشروان وكان مستأثراً بالكتب والعلم والأدب والنظر في أخبار الأوائل ويقع له خبر الكتاب؛ فلم يقر قراره حتى بعث بروزيه الطبيب وتلطف حتى أخرجه من بلاد الهند فأقره في خزائن فارس.اف أن يخرج من بلاد الهند، فيتناوله أهل فارس إذا علموا به؛ فالملك يأمر ألا يخرج من بيت الحكمة. ثم دعا الملك بتلاميذه وأحسن لهم الجوائز. ثم إنه لما ملك كسرى أنوشروان وكان مستأثراً بالكتب والعلم والأدب والنظر في أخبار الأوائل ويقع له خبر الكتاب؛ فلم يقر قراره حتى بعث بروزيه الطبيب وتلطف حتى أخرجه من بلاد الهند فأقره في خزائن فارس.




باب بعثة برزويه إلى بلاد الهند

وكذلك طالب الآخرة مجتهد في العمل المنجي به روحه لا يقدر على إتمام عمله وإكماله إلا بالعقل الذي هو سبب كل خير ومفتاح كل سعادةٍ. فليس لأحد غني عن العقل. والعقل مكتسب بالتجارب والأدب. وله غريزةٌ مكنونةٌ في الإنسان كامنةٌ كالنار في الحجر لا تظهر ولا يرى ضوءها حتى يقدحها قادحٌ من الناس؛ فإذا قدحت ظهرت طبيعتها. وكذلك العقل كامن في الإنسان لا يظهر حتى يظهره الأدب وتقويه التجارب. ومن رزق العقل ومن به عليه وأعين على صدق قريحته بالأدب حرص على طلب سعد جده، وأدرك في الدنيا أمله، وحاز في الآخرة ثواب الصالحين. وقد رزق الله الملك السعيد أنوشروان من العقل أفضله، ومن العلم أجزله؛ ومن المعرفة بالأمور أصوبها، ومن الأفعال أسدها، ومن البحث عن الأصول والفرع أنفعه؛ وبلغه من فنون اختلاف العلم، وبلوغ منزلة الفلسفة، ما لم يبلغه ملكٌ قط من الملوك قبله؛ حتى كان فيما طلب وبحث عنه من العلم أن بلغه عن كتاب بالهند، علم أنه أصل كل أدب ورأس كل علمٍ، والدليل على منفعةٍ، ومفتاح عمل الآخرة وعلمها، ومرعبة النجاة من هولها؛ فأمر الملك وزيره بزرجمهر أن يبحث له عن رجل أديبٍ عاقل من أهل مملكته، بصير بلسان الفارسية، ماهر في كلام الهند؛ ويكون بليغاً باللسانين جميعاً، حريصاً على طلب العلم مجتهداً في استعمال الأدب، مبادراً في طلب العلم، والبحث عن كتب الفلسفة. فأتاه برجلٍ أديب كامل العقل والأدب، معرفٍ بصناعة الطب، ماهر في الفارسية والهندي يقال له بروزيه؛ فلما دخل عليه كفر وسجد بين يديه. فقال له الملك: يا بروزيه: إن قد اخترتك لما بلغني من فضلك وعلمك وعقلك، وحرصك على طلب العلم حيث كان. وقد بلغني عن كتاب بالهند مخزون في خزائنهم، وقص عليه ما بلغه عنه. وقال له: تجهز فإني مرحلك إلى أرض الهند؛ فتلطف بعقلك وحسن أدبك وناقد رأيك، لاستخراج هذا الكتاب من خزائنهم ومن قبل علمائهم؛ فتستفيد بذلك وتفيدنا. وما قدرت عليه من كتب الهند مما ليس في خزائننا منه شيءٌ فأحمله معك؛ وخذ معك من المال ما تحتاج إليه، وعجل ذلك، ولا تقصر في طلب العلوم وإن أكثرت فيه النفقة،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://clever.mam9.com
 
كليلة ودمنة 3
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأذكياء :: طريقك للتفوق والنجاح :: قسم الأدب العربي-
انتقل الى: